توقف كابتن الطيران جاسم شهبيك عن التحليق عالياً، للمساهمة في برنامج «علّم لأجل قطر»، وقال لـ «العرب» إن انخراطه في التدريس نابع من حبه لمساعدة الآخرين وشغفه بالتدريس، ويرفض شهبيك وصف فعله بـ «رد الجميل للوطن»، لأن لا أحد -بحسب وصفه- يمكنه رد الجميل للوطن، ولكن يمكنه المساهمة مع آخرين في بنائه ورفعته. وقال شهبيك -الذي يعمل منسقاً لمادة العلوم بمدرسة عبدالرحمن بن جاسم الإعدادية: إن الدور المطلوب من الوزارة في العملية التعليمية قليل، مقارنة بالمطلوب من المجتمع والمعلم. وأضاف أن التدريب والتطوير أضعف حلقات وزارة التعليم، مؤكداً أن كثيراً من الدورات لا تغطي إلا عدداً ضئيلاً من إجمالي عدد المعلمين في المدارس، كما لا توجد مراقبة لتنفيذ القرارات، على الرغم من أن هناك عدداً من القرارات الجيدة. وإلى تفاصيل الحوار
حدثنا في البداية عن كيفية التحاقك بالطيران>
■ التحاقي بالطيران جاء عن طريق الصدفة المحضة، ورغبتي في الطفولة كانت دراسة الطب، وكان يدفعني لتحقيق طموحي تفوقي الدراسي، لكن نتيجتي في الثانوية العامة لم تؤهلني لدخول الطب، ولأن والدي يعرف أن دراسة الطب رغبتي قرر أن يرسلني على نفقته الخاصة لدراسته الأمر الذي لم أقبله، وفي تلك الفترة أعلن «طيران الخليج» عن رغبته في طلاب للانخراط في وظائفه عقب التدريب، وسجلت معهم وجلست للامتحان، وفي الوقت نفسه سجلت للدراسة المسائية لإعادة السنة في امتحان الثانوية العامة، وكان قراري السير في الطريق الذي تظهر نتيجته أولاً، وعندما اتصل بي «طيران الخليج» معلنين اجتيازي الامتحان، سرت أول خطوة في مجالي المهني، والآن أنا قائد طائرة مع الخطوط الجوية القطرية.
وكيف كنت تفكر في ممارسة التدريس خلال رحلتك الممتدة مع الطيران؟
■ من صغري وأنا أحب ممارسة التدريس، والذي ساعدني على ذلك تفوقي الأكاديمي، لذلك كنت أقوم بالشرح لزملائي في الدراسة، ومعظمهم كان يقول لي شرحك يرسخ لنا الدراسة، وعندما ابتعثتني الخطوط القطرية لدراسة الماجستير، كنت أشرح أيضاً لزملائي من خلال الورش المتعددة، وحبي للتعليم جاء من حبي لمساعدة الآخرين، ثم جذبني الإعلان الذي أطلقته منظمة «علم لأجل قطر» لاجتذاب معلمين، وملخص الإعلان ضع بصمتك، واخدم بلادك، كما أن إحدى أخواتي تعمل مديرة مدرسة، وهي تعرف شغفي بالتعليم، وهي من أوصلتني بأحد المنتسبين من منطقتنا الوكرة، وناقشت معه الموضوع من جوانبه كافة، ثم قررت خوض التجربة لأحدث تأثيراً إيجابياً على المجتمع.
مدة العمل مع «علم لأجل قطر» سنتان. ألا ترى أنها قليلة؟
■ هي بالفعل قليلة لمن يحب التعليم، وطويلة للذي لا يحب التعليم أو يتأقلم مع بيئته، ووسط مع المسؤولين الذين يتعاملون مع الأمر كانتداب، ومن يواصل في التعليم عقب إكماله السنتين غالباً من الخريجين الجدد، الذين التحقوا بالعمل في التعليم مباشرة.
تجربتكم مختلفة عن المعلمين القادمين من كلية التربية، كيف تضيف للطلاب ولشخصيتك؟
■ الطالب هو الذي يعرف الفرق بصورة دقيقة، عندما نتكلم عن طرق التدريس وغيرها فإن خريج التربية ترجح كفته، ونحاول من خلال الدورات التي تقدمها «علّم لأجل قطر» صقل خبرتنا وتقليل الفوارق بيننا وبين خريجي التربية، وعلى الجانب الآخر، فإن القادمين للبرنامج من خلفيات مهنية مختلفة يحملون معهم خبرات لا يملكها خريج التربية، وهذا يتيح لنا ربط المادة العلمية بأمثلة من الحياة، وفي حالتي مثلاً فإن شهادتي الماجستير بالإضافة إلى الأسفار المتعددة سلحتني بخبرة تمكنني من استخدام أمثلة من الحياة لشرح الدروس.
ولكن عدد الملتحقين ببرنامج «كن معلماً» قليل مقارنة باحتياجات المدارس؟
■ التعليم ليس مهنة سهلة، وعدد من الذين بدأوا معنا واجتازوا الاختبارات توقفوا أمام الواقع، وإذا رصدت الواقع اليوم تجد أن التعليم أصبح مهنة كل من لم يجد عملاً، والطريق إلى ذلك هو الدروس الخصوصية، التي لها آثار سلبية عديدة على الطالب، وبعض أولياء الأمور لا يتأكد من أهلية المعلم الخصوصي، وحجتهم في ذلك أن الأم تراجع مع ابنها كل الدروس، وبالتالي فإن المعلم الخصوصي مهما كانت معرفته قليلة يستطيع توصيل المعلومة، والمنظومة التعليمية ضعفها من ضعف المجتمع وليس وزارة التعليم، والتي تقوم بدورها بصورة جيدة جداً على الرغم من بعض السلبيات، والأستاذة فوزية الخاطر تقوم بمجهود كبير ومميز في مجال التعليم، وملاحظتي الأساسية على الوزارة أنه ليس هنالك مراقبة لتنفيذ القرارات على الرغم من أن هنالك عدداً من القرارات الجيدة، ونحن نرى ذلك بصورة أوضح، والرؤية المختلفة دائماً تأتي من ثلاث، الخريج الجديد، أو الشخص من خارج القطاع مثلنا، أو من شخص من القطاع نفسه، ولكن ليس في المكتب الرئيسي لأن وجوده بعيداً يتيح له الرؤية بصورة أكثر وضوحاً، ونصيحتي للوزارة أن تجرب أية فكرة جديدة في مستوى ضيق من المدارس، ثم إذا نجحت يمكن تعميمها.
ولماذا يتدافع الناس نحو الدروس الخصوصية وتحقيق إنجازات سريعة؟
■ هنالك بعض الأشياء من ثقافة المجتمع نفسه، فمثلاً أذكر عندما كنا صغاراً ونذهب إلى النادي، فإن المدرب يركز مع المتميزين ويترك الغالبية العظمى، وبعض المدرسين يتبع هذا الأسلوب، بينما المدرس المميز يجب أن يتعامل مع الطالب الضعيف، لأن الطالب المتميز لا يحتاج منه إلا للقليل، والسبب في ذلك يعود لرغبة المجتمع في الحصول على مخرجات سريعة، ولا يصبر على بناء منظومة متكاملة تأخذ معها المستويات كافة، وقد لاحظت هذا في المدارس، إذ تجد الطالب المتفوق يشارك في المسابقات كافة، وهذا ناتج من أن المدرسة تريد الحصول على الجائزة، وليس الارتقاء بمستوى الطالب، ومعالجة هذا الأمر تأتي بتحديد عدد المسابقات التي يجب أن يشارك فيها الطالب، وأنا أقترح مسابقة واحدة، وهذا سيلزم المدارس بتأهيل عدد أكبر من طلابها للمشاركة في المسابقات، بدلاً من الاعتماد على أعداد قليلة، كما أن معظم الجوائز يحصدها غير القطريين الذين يعرفون أن عليهم بذل مجهود أكبر للحصول على وضع أفضل، وغالباً ما تكون مشاركة القطريين في هذه المسابقات شكلية.
وما دور المجتمع بعد أن وضعت على عاتقه المسؤولية الأكبر؟
■ في زمن سابق كان أولياء الأمور غير متعلمين، لكن لديهم طموح أن ينال أبناؤهم الشهادة الجامعية، بينما في الوقت الحالي تجد أحدهم دكتوراً بينما ابنه ضعيف أكاديمياً، وهذا يرجع لعدة أشياء منها عمل المرأة، فالأم في السابق كان لها دور محوري في استذكار الدروس مع أبنائها، الآن أصبح الاعتماد على المدرس الخصوصي، والأخير يأخذ زمناً طويلاً مع الطالب، بحيث لا يتيح له وقتاً للمذاكرة، فإذا جمعنا الزمن الذي يقضيه الطالب في المدرسة مع زمن الدرس الخاص نجد اليوم انتهى، وأنا أفضل عودة الطلاب في زمن أبكر من المدرسة، لأن الطالب لو خرج في الساعة الـ 12 فإن الوقت يكون متاحاً أمامه للراحة وممارسة الرياضة واستذكار دروسه، خلافاً للنظام المعمول به حالياً، إضافة إلى الظواهر السلبية أن بعض الأسر تأتي بمعلم المدرسة لتدريس ابنها، رغم أن هذا ممنوع، وهذا يخلق باباً للمحاباة، لذلك من الأفضل أن تضطلع الوزارة بوضع الاختبارات كافة من الصف الخامس حتى الثانوية العامة.
وهل تدعو الموجودين في محيطك لتكرار تجربتك في التدريس؟
■ أعقد لقاءات فردية ومستمرة مع أصدقائي، وأشرح التجربة لكل من أرى أنه من الممكن أن يتجه للتعليم، لذلك يجب طرح الفكرة للشخص المناسب، لأن البعض قد يرغب في الالتحاق بها هروباً من عمل آخر، وليس حباً في التعليم، بالنسبة لي الفترة القصيرة التي قضيتها في التعليم استمتعت بكل لحظة قضيتها، وأي أثر تركته على طلابي، ولا أزعم أن كل اللحظات كانت جميلة، فقد واجهتني مصاعب كبيرة ولكنني اجتزتها، وكنت أحاسب نفسي باستمرار عقب كل موقف.
وكيف ترى دور المعلم الآن؟
■ الدور المطلوب من الوزارة في العملية التعليمية قليل، فالدور الأكبر مطلوب من المجتمع والمعلم، وأطلب من المعلمين عدم التركيز على الجانب الأكاديمي فقط، فمشاكل الطلاب نفسها لم تتغير، لكن دور المعلم هو الذي تراجع، والمجتمع يقول إن هيبة المعلم تراجعت، ولكن المعلم يصنع هيبته بنفسه، وهو مسؤول عن هيبته داخل الفصل، ولا يظن المعلم أن الوزارة ستعطيه الهيبة حتى لو أعطته صلاحيات، وهيبة المعلم يجب أن تتبعه أينما حل، ولا تقتصر على المدرسة فقط، والطالب ذكي جداً، وعندما كنا طلاباً نعرف المعلم الصارم من الوهلة الأولى، والمعلم الناجح هو الذي يعامل طلابه كما يعامل أبناءه.
وماذا يحتاج المعلم حتى يكون أفضل؟
■ التدريب والتطوير للمعلمين يحتاج إلى مراجعة، لأن كفاءة المادة المقدمة فيه ضعيفة، كما أنه لا يغطي العدد الكامل للمعلمين، كما أن التدريب في المدارس يتم بشكل صوري، وإذا راجعنا الشركات الخاصة فإن البند الأكبر في المصروفات بعد الرواتب نجده للتدريب والتطوير، لأن الشركة تريد أن ترتقي بكادرها، وحتى يتحقق هذا مطلوب مزيد من التناغم بين هيئات التعليم المختلفة، حتى نسجل نتائج جيدة.